لقد كاد أعداء الله تبارك وتعالى لهذا الدين ولهذه الأمة بحملاتهم الصليبية، ولكن النهاية الواحدة المتكررة لجميع حملاتهم الصليبية كانت هي الهزيمة العسكرية، فخططوا لهزيمة من نوع آخر يلحقونها بالمسلمين، فكانت تلك المؤامرة على هذا الدين، وكانت تركز على أربعة مجالات -نتناولها بإيجاز-:
المجال الأول: هدم العقيدة الإسلامية.
وقد عملوا على ذلك بنشر الإلحاد والانحلال، وإحياء الفرق ذات العقائد المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة وبث الحضارات القديمة، وإثارة النعرات والجاهليات؛ بغرض إبعاد هذه الأمة عن عقيدتها.
المجال الثاني: إقصاء الشريعة الإسلامية وإبعادها عن مجال الحكم؛ لتحل محلها القوانين الوضعية والأوروبية الكافرة؛ ليطمئنوا على أن الحدود لن تقام، وأن أحكام الله لن يعمل بها، وإذا وصلت الأمة إلى هذا الحد فقد فقدت كل مميزاتها.
المجال الثالث: المجال الاجتماعي؛ حيث خططوا لإفساد المرأة المسلمة، وحملها على ترك وظيفتها الأساسية المتمثلة في رعاية أسرتها، وممارسة أمومتها، لتتجر بعد ذلك إلى تقليد المرأة الغربية في كل شيء، وهذا ما سعوا من أجله، وهو ما سنفيض في الحديث عنه إن شاء الله.
المجال الرابع: تحطيم وهدم اللغة العربية والأدب العربي وما يتعلق به، وبذلك يتوصلون إلى قطع صلة المسلمين بالقرآن وبفهم كتب السلف الصالح وما في تراثهم من خير وهدىً وبركة.
هذه الأربعة المجالات التي خطط لأجلها أعداء الله تبارك وتعالى.
وأهم ما يهمنا الآن هو المجال الاجتماعي المتعلق بالمرأة، فإن هذا المجال هو المقياس الظاهر والواضح لتمسك أي بلد من البلدان بالإسلام، فأنت إذا زرت أي بلد من البلدان تستطيع أن تحكم على دين أهله من خلال وضع المرأة فيه، فإن كانت متسترةً متحجبة حكمت على المجتمع بالطهر والفضيلة، وإن كانت متهتكةً متخلعة علمت وأيقنت أن هذا مجتمع فاسد منحط -يعني في الأغلب والظاهر- لأن هذا هو المعيار الذي توزن به الأمم قديماً، وتوزن به الحضارات، حتى إن أوزوالد اشبنجلر الذي كتب كتاب: تدهور الحضارة الغربية ؛ يقول: هذا هو المعيار الذي يقاس به سقوط الحضارات، فالحضارات جميعاً تسقط وتنهار عندما تترك المرأة عملها ووظيفتها كأم وزوجة، وتخرج إلى العمل متبرجة متبذلة، وقد استعرض حضارات كثيرة جداً في كتابه هذا وفي غيره.
إذاً: أعداء الله يعلمون أهمية هذه القضية؛ ولهذا حرصوا عليها كل الحرص. وقد ابتدأت المؤامرة -كالعادة- ساذجةً، أو بتخطيط غير عميق، ولكن الأمر تطور وازداد؛ فقد وجد أولئك القوم كاتباً نصرانياً -بعد الاستعمار الإنجليزي ببضع سنين- يدعى مرقص فهمي؛ فقالوا له: نريد أن تكتب عن المرأة كتاباً، فكتب كتاباً عنوانه: المرأة في الشرق، تحدث فيه عن ظلم الإسلام للمرأة، مع أن دين هذا الصليبي وكنيسته وباباوات ورجال دينه يعتبرون المرأة شيطاناً رجيماً، وظلوا قروناً عديدة لا يعتبرون المرأة كائناً إنسانياً، واختلفوا في أوروبا هل المرأة لها روح أم ليس لها روح؟!! هكذا كانت أوروبا الصليبية، ومع ذلك يقول المحامي مرقص فهمي في كتابه المرأة في الشرق : إن المرأة في الشرق مظلومة؛ وسبب ذلك هو التشريعات الإسلامية، وطالب بإلغاء الحجاب، وبخروج المرأة من البيت.. حتى طالب بأن يسمح للأقباط -لأنه قبطي- أن يتزوجوا النساء المسلمات.. هكذا يريد هذا الهدام! ولكنه لم يتمكن من تحقيق ما يريد.